خطة التعافي أم الرصاصة القاتلة لاستعمار جديد؟
في أيامها الأخيرة، وقبل الدخول في رحلة تصريف الأعمال، كانت خطط “اللا حلول” الحكومية تمر بسرقة المواطن والإمعان بإفقاره! وتحت عنوان “خطة التعافي” عملت حكومة نجيب ميقاتي “الإنقاذية” على تبرئة ذمة “الدولة” والحكومات المتعاقبة ومصرف لبنان من 72 مليار دولار خسارة بحسب تقديراتها، وتحميل 60 مليار دولار، على الأقل، للمصارف الذين سيحمّلونها بدورهم للمودعين.
توصيف خطة التعافي بالدرجة الأولى هي أنها أتت بمثابة خطة إطلاق رصاصة الرحمة على الطبقة الوسطى، عصب الاقتصاد. تؤمن حماية كل فاسد أهدر المال العام وهرّب أمواله الى الخارج يُعذّب فيها المواطن لصالح طبقة سياسية ما زالت تعمل على ابتكار قوانين لحماية الفساد والفاسدين. والكرة اليوم في ملعب المجلس النيابي الجديد.
خطة للتعافي المالي، التي أقرها مجلس الوزراء اللبناني بهدف النهوض بالقطاع المالي لتحقيق مجموعة إصلاحات من شأنها استعادة الثقة وتهيئة الظروف للتعافي الاقتصادي، أظهرت أن الحكومة ستلغي جزءاً كبيراً من التزامات مصرف لبنان بالعملات الأجنبية تجاه المصارف التجارية، وحل المصارف غير القابلة للاستمرار بحلول نهاية تشرين الثاني المقبل.
نائب رئيس الوزراء سعادة الشامي، الذي رأى في إقرار مجلس الوزراء لخطة التعافي المالي “خطوة للأمام”، حمّل المجلس النيابي الجديد مسؤولية استكمال الخطة عبر إقرار عدد من التشريعات اللازمة.
ومن هذه التشريعات القواعد التنظيمية لسرية الحسابات المصرفية، ومشروع قانون الرقابة على رأس المال، وهي تشريعات أخفق النواب مراراً في تمريرها.
الخبير المالي والاقتصادي وليد أبو سليمان، الذي يرى ضرورة وجود خطة تعافي إقتصادي، يعتبر أن خطة حسان دياب كانت تضمن 98% من أموال المودعين حتى 500 ألف دولار أما في هذه الخطة التي أقرّتها الحكومة “فسيخسر المودعون 5 أضعاف من ودائعهم على الأقل”.
وفي قراءة للخطة الحكومية، يقول “بكل بساطة، تنصّ خطة التعافي المالي على شطب 60 مليار دولار من الودائع، وهي التي تشكّل عجز مصرف لبنان، وعلى “حماية” الودائع البالغة مئة ألف دولار وما دون، وبالتالي كلّ حساب يتجاوز هذا السقف، مصيره مجهول، إما يُدفع بالليرة وإمّا أسهم!”.
بعد أن سُجِّل اعتراض وزيري حزب الله على الخطة، يُفسّر وزير الأشغال العامة والنقل علي حميه أن “الاعتراض على استراتيجية النهوض بالقطاع المالي وعلى المذكرة بشأن السياسات المالية والاقتصادية في مجلس الوزراء، لم يكن اعتراضاً لمجرد الاعتراض إنما كانت مقاربتنا للموضوع مقاربة علمية منهجية مدروسة”. ويُشير إلى أن “هاجسنا الأول فيها متمحور حول كيفية الحفاظ على أموال المودعين كحق مقدس لهم”.
في نيسان الماضي، رفضت جمعية مصارف لبنان مسودة سابقة للخطة إذ قالت يومها إنها تحمل البنوك والمودعين العبء الأكبر مما يقدر من الحكومة بنحو 72 مليار دولار من العجز في القطاع المالي.
ومع إقرار مجلس الوزراء خطة الحكومة للتعافي الاقتصادي، كان لافتاً أنه لم يصدر عن جمعية مصارف لبنان أي تعليق حول القرار حتى الساعة. وتُبرّر مصادر في جمعية المصارف هذا الصمت بأن “مجلس إدارة الجمعية لم يجتمع إلى الآن كي يتخذ أي قرار في شأن قرار مجلس الوزراء أو إجراء أي تقييم له، وبالتالي يلتزم حتى اليوم بالتصريح الأخير الذي أصدرته الجمعية حول خطة التعافي”.
الخطة الحكومية الأخيرة، تضمنّت تحديد حجم احتياجات إعادة رسملة المصارف كل على حدة، وإعادة صياغة ميزانياتها. و”العمل على إجراء تقييم لخسائر كل مصرف على حدة، وتحليل لبنية الودائع وهيكلية الودائع لأكبر 14 مصرفاً (ما يمثّل 83% من الأصول) ستجريه لجنة الرقابة على المصارف، بمساعدة شركات دولية مرموقة، تشمل مشاركة مراقبة من الخارج. وسينجز هذا التقييم بحلول نهاية أيلول 2022″.
كما ستتم إعادة رسملة داخلية كاملة للمصارف من خلال “مساهمات كبيرة” من مساهمي المصارف وكبار المودعين. وقالت الخطة إنها ستعمل على “حماية صغار المودعين إلى أقصى حد ممكن في كل مصرف قابل للاستمرار”، لكنها لم تحدّد الحد الأدنى للمبلغ المطلوب حمايته، خلافاً لمشاريع الخطط السابقة.
لكن وثيقة الخطة أضافت أن البنوك غير القابلة للاستمرار ستحل بنهاية تشرين الثاني. وأضافت أن الحكومة ستوحد سعر الصرف الرسمي وتنهي وجود أسعار صرف مختلفة.
الخطّة الحكومية الأخيرة قبل الرحيل باختصار، التزمت إملاءات صندوق النقد الدولي، وأصابت المواطنين إصابات مباشرة في لقمة عيشهم ومتطلباتهم الحياتية اليومية. وقد قرّرت رفع الدعم عن مشتقات الخبز ورفع أسعاره، ورفعت أسعار الاتصالات، وارتفعت أسعار البنزين والمازوت بعدما جرى تسعيرها بالدولار النقدي ما أدّى إلى ارتفاع تعرفات المولدات وإنتاج الكهرباء خارج مؤسسة كهرباء لبنان.
وفي الواقع، إنجازات حكومة ميقاتي التي لم يستفد من وجودها المواطنون، تركت المدارس والجامعات تسعير الأقساط بالدولار النقدي. ومنذ تشكيلها في أيلول 2021 تضخمت الأسعار بنسبة 100% ما يعني أنها لم تحرّك ساكناً تجاه الأزمة. وحاولت تمرير تسعير الدولار الجمركي على سعر صيرفة، ورفع تعرفة الكهرباء رغم أن الحدّ الأقصى للإنتاج هو ساعتا تغذية يومياً.
وهي منذ تشكيلها لم تُقدم على إجراءات لوقف مسار التدهور وأمّنت غطاءً رسمياً لقرارات وإجراءات حاكم مصرف لبنان رياض سلامة، التي بدّدت أكثر من مليار دولار من سيولته بالعملات الأجنبية، خلال الأشهر الأخيرة، على تثبيت لسعر الصرف لم يكن له فائدة اقتصادية تُذكر. وكان قد أنفق أكثر من 20 مليار دولار طيلة فترة الأزمة.
باختصار الخطة هي تشريع فعلي لإفقار وتجويع الشعب واستكمال لوضع اليد على البلد وعلى رقاب اللبنانيات واللبنانيين. وعلى مجلس النواب العتيد رفض خطة التعافي خطة الاستعمار المالي والاقتصادي الجديد.
رانيا برّو